من برلين إلى دبي: التكاتف من أجل تشكيل مستقبل الطاقة في الخليج

في مختلف أنحاء العالم، يتزايد تركيز الحكومات والأفراد على تحقيق التحول في مجال الطاقة، مدفوعًا بالحاجة الملحّة لبناء مستقبل مستدام لكوكبنا وللأجيال القادمة. فقد سجل العام 2023 أعلى درجة حرارة في التاريخ، ويعزو العلماء هذه الظاهرة إلى الارتفاع غير المكبوح لغازات الدفيئة، والتي يتسبب الوقود الأحفوري بـ 75٪ منها.

هذا الاحترار المناخي كان على الأرجح السبب المباشر وراء العاصفة غير المسبوقة التي شهدتها دولة الإمارات في وقت سابق من هذا العام، والتي كانت الأغزر على الإطلاق منذ بدء تسجيل منسوبات المياه في الدولة قبل 75 عامًا. ومن المتوقع أن تتفاقم هذه الظواهر الجوية بوتيرة خطيرة في مختلف أنحاء العالم إن لم نتكاتف اليوم لتحقيق نقلة نوعية نحو الطاقة النظيفة.

لقد أمضيت معظم الأشهر الثمانية الماضية في منطقة الخليج، ويمكنني القول أن نجاح الإمارات في جمع العالم تحت مظلة واحدة خلال المؤتمر المناخي (“كوب 28”) قد أبرز الدور الريادي الذي يمكن لدول الخليج لعبه في مواجهة تحديات تغير المناخ. فهذه الدول تستثمر بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة وتكنولوجيا المناخ، مع اجتذابها لأهم العقول وألمعها من أجل بناء مستقبل أكثر استدامة وخضرة للجميع.

 

كيف تعمل الإمارات على تعزيز الاستدامة؟

تُعد دول مجلس التعاون الخليجي الآن من أكبر أسواق الطاقة المتجددة على مستوى العالم، حيث أطلقت الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب دول الخليج الأخرى، أكثر من 30 مبادرة طموحة لتعزيز الاستدامة؛ مثل الأجندة الوطنية الخضراء 2030، واستراتيجية الانبعاثات الصفرية 2050. والتي تعكس التزامًا قويًا بالتنويع الاقتصادي، إذ تستمر الإمارات في دفع عجلة النمو في اقتصادها غير النفطي بمعدل سنوي يبلغ 6٪.

وتلعب مصادر الطاقة المتجددة دورًا محوريًا في هذه الجهود، حيث يتجاوز استثمار الإمارات في هذا المجال استثماراتها في الوقود الأحفوري، مُخصصة 50 مليار دولار لمشاريع الطاقة النظيفة، وهي تعتزم استثمار المبلغ ذاته خلال العقد المقبل. ومع ذلك، لا تقل أهمية مصادر الطاقة المتجددة عن الحلول الجديدة لتخزين الطاقة، التي تشكل جزءًا أساسيًا من هذه الجهود.

 

هل يمكن لبطاريات اليوم دفع تحول الطاقة؟

كدولة فتية تتمتع بالمرونة وسرعة التكيف، أظهرت الإمارات قدرتها على التحول إلى مركز عالمي للابتكار حيث تقود اليوم مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية، وعلم الجينوم، وغيرها. وعلى الرغم من أن منظومة التكنولوجيا العميقة في الإمارات لا تزال في مراحلها الأولى، فإن الفرصة سانحة لتسريع نموها، بما يشمل الطاقة المتجددة والاستثمار في ابتكارات المجال.

مثال رئيسي على ذلك هو التحول من بطاريات الليثيوم أيون إلى بطاريات الليثيوم كبريت. وبفضل وفرة الكبريت في الإمارات ودول الخليج، يمكن لدول المنطقة أن تصبح مركزًا رائدًا في صناعة هذه البطاريات المبتكرة،  فالكبريت لا يحتاج إلى عمليات تعدين مكلفة مثل الكوبالت والمنغنيز والنيكل، ويعد أقل تكلفة بكثير، إضافة إلى كونه أكثر كثافة للطاقة بثلاثة أضعاف مقارنة بمواد البطاريات التقليدية.

لكن لجعل هذه التقنية حقيقة واقعة، نحتاج إلى شركاء ومستثمرين ذوي رؤية مستقبلية والتزام طويل الأمد. حيث تمر بطاريات الليثيوم كبريت بتحسينات متعاقبة لجعلها أكثر قابلية للتطبيق التجاري، لا سيما مع التطور المتسارع في كيمياء الأنود التي جعلتها أكثر أمانًا وزادت من عمرها التشغيلي.

ويمكن إدخال بطاريات الليثيوم كبريت في مجموعة واسعة من التطبيقات القادرة على الإسهام في تحقيق الاستدامة في المستقبل القريب، بما في ذلك المركبات الكهربائية، والطائرات العمودية الكهربائية، وتخزين الطاقة، والأجهزة القابلة للارتداء.

ما الذي يعنيه ذلك لدول مجلس التعاون الخليجي

تأكدت أن تمتلك دولة الإمارات سجلًا حافلًا في تحويل المستحيل إلى واقع، وهو ما شهدته منذ مشاركتي في معرض جيتكس العام الماضي. فهي تضم أطول مبنى في العالم، وأعمق بركة سباحة، وجزرًا اصطناعية شكلت تحديًا هندسيًا، ومدنًا عالمية متفوقة في مجالات الأمان والتكنولوجيا المتقدمة. هذا المزيج من الرؤية والبراغماتية، الذي نراه في مختلف دول الخليج مثل قطر والسعودية، هو بالضبط ما تحتاجه صناعة البطاريات لتثبت نفسها في المستقبل، ولا يوجد مكان أفضل من دول الخليج، حيث الموارد والظروف مواتية لتحقيق ذلك.

بالنسبة لنا في شركة “ثيون”، فإن تكنولوجيا بطاريات الليثيوم كبريت المستدامة تمثل فرصة لتعزيز توسعنا في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث نسعى لتقديم تقنيتنا الفريدة والحاصلة على براءة اختراع عبر إقامة شراكات إقليمية تسهم في تطوير المعرفة، وتنمية المواهب، وإنشاء فرص عمل جديدة في المنطقة.

معًا، يمكننا تحقيق مستقبل يتمتع بطاقة نظيفة، متاحة، وميسورة التكلفة للجميع، ولدي رواد الأعمال العالميين فرصة لدعم هذه الجهود. فالاستدامة ليست مجرد طموح، بل مسؤولية مشتركة وواقع يمكن تحقيقه. ودول الخليج قادرة على تعليمنا الكثير حول كيفية إطلاق العنان للإمكانات الكامنة – إذا ما كنا مستعدين للتعلم.

 

-انتهى

يشغل ماتياس فينجلر منصب المدير المالي لشركة ثيون، وهو العضو المنتدب لمكتب الشركة في الشرق الأوسط، ليتولى مسؤولية توسيع حضور الشركة الاستراتيجي في منطقة الخليج. انضم فينجلر إلى ثيون في عام 2023 بعد مسيرة مهنية امتدت لأكثر من عشر سنوات في شركة سيمنز، شغل خلالها منصب مدير تمويل الشركات وعمليات الدمج والاستحواذ واستثمارات الشركات. وهو خريج كلية هارفارد للأعمال، ويمتلك خبرة واسعة في القطاع المالي، بعد أن عمل مع بنوك استثمارية رائدة عالميًا مثل جولدمان ساكس ودويتشه بنك. لمزيد من المعلومات حول فرص الاستثمار والشراكة، يمكنك التواصل معه عبر لينكدإن أو البريد الإلكتروني: matthias@theion.de